الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وإذا أخذ الولد من الأم إذا تزوجت ثم طلقت رجعت على حقها من كفالته] وبهذا قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة والمزني قالا: إن كان الطلاق رجعيا, لم يعد حقها لأن الزوجية قائمة فأشبه ما لو كانت في صلب النكاح ولنا أنها مطلقة, فعاد حقها من الحضانة كالبائن وقولهم: إنها زوجة قلنا: إلا أنه قد عزلها عن فراشه ولم يبق لها عليه قسم, ولا لها به شغل وعقد سبب زوال نكاحها فأشبهت البائن في عدتها ويخرج عندنا مثل قولهما, لكون النكاح قبل الدخول مزيلا لحق الحضانة مع عدم القسم والشغل بالزوج.
وكل قرابة تستحق بها الحضانة منع منها مانع, كرق أو كفر أو فسوق, أو جنون أو صغر إذا زال المانع, مثل أن عتق الرقيق وأسلم الكافر وعدل الفاسق, وعقل المجنون وبلغ الصغير عاد حقهم من الحضانة لأن سببها قائم, وإنما امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم, كالزوجة إذا طلقت.
قال : [وإذا تزوجت المرأة ، فلزوجها أن يمنعها من رضاع ولدها ، إلا أن يضطر إليها ، ويخشى عليه التلف] وجملة ذلك أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ، ومن رضاع ولد غيرها ، إلا أن يضطر إليها ؛ لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان ، من كل الجهات ، سوى أوقات الصلوات ، والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات ، فكان له المنع كالخروج من منزله فإن اضطر الولد ، بأن لا توجد مرضعة سواها ، أو لا يقبل الولد الارتضاع من غيرها ، وجب التمكين من إرضاعه ؛ لأنها حال ضرورة ، وحفظ لنفس ولدها ، فقدم على حق الزوج ، كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته .
فإن أرادت إرضاع ولدها منه فكلام الخرقي يحتمل وجهين أحدهما: أن له منعها من رضاعه لعموم لفظه وهو قول الشافعي لأنه يخل باستمتاعه منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره والثاني, ليس له منعها فإنه قال: وإن أرادت رضاع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة, وذلك لقول الله تعالى: وإن أجرت المرأة نفسها للرضاع, ثم تزوجت صح النكاح ولم يملك الزوج فسخ الإجارة, ولا منعها من الرضاع حتى تنقضى المدة لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة أو دارا مشغولة فإن نام الصبي, أو اشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولى الصبى منعه وبهذا قال الشافعي وقال مالك: ليس له وطؤها إلا برضاء الولى لأن ذلك ينقص اللبن ولنا, أن وطء الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن الولى فيه, ولأنه يجوز له الوطء مع إذن الولى فجاز مع عدمه لأنه ليس للولى الإذن فيما يضر الصبى ويسقط حقوقه. وإن أجرت المرأة المزوجة نفسها للرضاع, بإذن زوجها جاز ولزم العقد لأن الحق لهما, ولا يخرج عنهما وإن أجرتها بغير إذن الزوج لم يصح لما يتضمن من تفويت حق زوجها وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والآخر, يصح لأنه تناول محلا غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل ولنا أنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق, فلم يصح كإجارة المستأجر. قال: [وعلى الأب أن يسترضع لولده إلا أن تشاء الأم أن ترضعه بأجرة مثلها, فتكون أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة] الكلام في هذه المسألة في فصلين:
الفصل الأول أن رضاع الولد على الأب وحده, وليس له إجبار أمه على رضاعه دنيئة كانت أو شريفة سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافا, فأما إن كانت مع الزوج فكذلك عندنا وبه يقول الثوري, والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبى ليلى والحسن بن صالح: له إجبارها على رضاعها وهو قول أبى ثور, ورواية عن مالك لقول الله تعالى: الفصل الثاني إن الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها, وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد وقال أصحاب الشافعي: إن كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من إرضاعه لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان وإن استأجرها على رضاعه, لم يجز لأن المنافع حق له فلا يجوز أن يستأجر منها ما هو أو بعضه حق له وإن أرضعت الولد, فهل لها أجر المثل؟ على وجهين وإن كانت مطلقة فطلبت أجر المثل فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من ترضعه بأجر المثل أو أكثر, لم يكن له ذلك وإن وجد متبرعة أو من ترضعه بدون أجر المثل, فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لأنه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها وقال أبو حنيفة: إن طلبت الأجر لم يلزم الأب بذلها لها, ولا يسقط حقها من الحضانة وتأتى المرضعة ترضعه عندها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز الإخلال بأحدهما ولنا, على الأول ما تقدم وعلى جواز الاستئجار, أنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذا أذن فيه فجاز مع الزوج كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة وقولهم: إن المنافع مملوكة له غير صحيح فإنه لو ملك منفعة الحضانة, لملك إجبارها عليها ولم تجز إجارة نفسها لغيره بإذنه ولكانت الأجرة له, وإنما امتنع إجارة نفسها لأجنبى بغير إذنه لما فيه من تفويت الاستمتاع في بعض الأوقات ولهذا جازت بإذنه وإذا استأجرها, فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبى وأما الدليل على وجوب تقديم الأم, إذا طلبت أجر مثلها على المتبرعة فقوله تعالى:
وإن طلبت ذات الزوج الأجنبى إرضاع ولدها بأجرة مثلها, بإذن زوجها ثبت حقها وكانت أحق به من غيرها لأن الأم إنما منعت من الإرضاع لحق الزوج, فإذا أذن فيه زال المانع فصارت كغير ذات الزوج, وإن منعها الزوج سقط حقها لتعذر وصولها إلى ذلك.
وإن أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده, فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله تعالى: باب نفقة المملوكين قال -رحمه الله-: [وعلى ملاك المملوكين أن ينفقوا عليهم ويكسوهم بالمعروف] وجملة ذلك أن نفقة المملوكين على ملاكهم ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى أبو ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إخوانكم خولكم, جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم) متفق عليه وروى أبو هريرة (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف, ولا يكلف من العمل ما لا يطيق) رواه الشافعي في " مسنده " وأجمع العلماء على وجوب نفقة المملوك على سيده ولأنه لا بد له من نفقة, ومنافعه لسيده وهو أخص الناس به فوجبت نفقته عليه, كبهيمته والواجب من ذلك قدر كفايته من غالب قوت البلد سواء كان قوت سيده أو دونه, أو فوقه وأدم مثله بالمعروف لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف) والمستحب أن يطعمه من جنس طعامه لقوله: " فليطعمه مما يأكل " فجمعنا بين الخبرين وحملنا خبر أبى هريرة على الإجزاء, وحديث خبر أبى ذر على الاستحباب والسيد مخير بين أن يجعل نفقته من كسبه إن كان له كسب وبين أن ينفق عليه من ماله ويأخذ كسبه, أو يجعله برسم خدمته لأن الكل ماله فإن جعل نفقته في كسبه فكانت وفق الكسب, صرفه إليها وإن فضل من الكسب شيء فهو لسيده, وإن كان فيه عوز فعلى سيده تمامها وأما الكسوة فبالمعروف من غالب الكسوة لأمثال العبد في ذلك البلد الذي هو به, والأولى أن يلبسه من لباسه لقوله عليه السلام: " وليلبسه مما يلبس " ويستحب أن يساوى بين عبيده الذكور في الكسوة والإطعام وبين إمائه إن كن للخدمة أو الاستمتاع وإن كان فيهن من هو للخدمة, وفيهن من هو للاستمتاع فلا بأس بزيادة من يزيدها للاستمتاع في الكسوة لأن ذلك حكم العرف ولأن غرضه تحميل من يزيدها للاستمتاع, بخلاف الخادمة. إذا تولى أحدهم طعامه استحب له أن يجلسه معه فيأكل, فإن لم يفعل استحب أن يطعمه منه ولو لقمة أو لقمتين لما روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (إذا كفى أحدكم خادمه طعامه, حره ودخانه فليدعه وليجلسه فإن أبى, فليروغ له اللقمة واللقمتين) رواه البخاري ومعنى ترويغ اللقمة غمسها في المرق والدسم وترويتها بذلك, ويدفعها إليه ولأنه يشتهيه لحضوره فيه وتوليه إياه وقد قال الله تعالى:
ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق وهو ما يشق عليه ويقرب من العجز عنه لحديث أبى ذر, ولأن ذلك يضر به ويؤذيه وهو ممنوع من الإضرار به.
ولا يجبر المملوك على المخارجة ومعناه أن يضرب عليه خراجا معلوما يؤديه, وما فضل للعبد لأن ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابة وإن طلب العبد ذلك, وأباه السيد لم يجبر عليه أيضا لما ذكرنا فإن اتفقا على ذلك جاز لما روى أن (أبا ظبية حجم النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه أجره, وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه) وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجا فروى أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم وجاء أبو لؤلؤة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه ثم ينتظر فإن كان ذا كسب فجعل عليه بقدر ما يفضل من كسبه عن نفقته وخراجه شيء, جاز فإن لهما به نفعا فإن العبد يحرص على الكسب, وربما فضل معه شيء يزيده في نفقته ويتسع به وإن وضع عليه أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز وكذلك إن كلف من لا كسب له المخارجة, لم يجز لما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا المرأة غير ذات الصنعة فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها ولأنه متى كلف غير ذى الكسب خراجا, كلفه ما يغلبه وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- " لا تكلفوهم ما يغلبهم " وربما حمله ذلك على أن يأتى به من غير وجهه فلم يكن للسيد أخذه.
وإذا مرض المملوك, أو زمن أو عمى أو انقطع كسبه, فعلى سيده القيام به والإنفاق عليه لأن نفقته تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغر, والملك باق مع العمى والزمانة فتجب نفقته معهما مع عموم النصوص المذكورة في أول الباب.
قال: [وأن يزوج المملوك إذا احتاج إلى ذلك] وجملة ذلك أنه يجب على السيد إعفاف مملوكه, إذا طلب ذلك وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجبر عليه لأن فيه ضررا عليه وليس مما تقوم به البنية, فلم يجبر عليه كإطعام الحلواء ولنا قوله تعالى: وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلا لأن إذنه في النكاح إذن في الاستمتاع المعتاد والعادة جارية بذلك ليلا وعليه نفقة زوجته على ما قدمنا. قال: [فإن امتنع, أجبر على بيعه إذا طلب المملوك ذلك] وجملته أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع, أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لأن بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد خلاته إضرار به وإزالة الضرر واجبة, فوجبت إزالته ولذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الإنفاق عليها وقد روي في بعض الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عبدك يقول: أطعمني وإلا فبعني وامرأتك تقول: أطعمني أو طلقني) وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفي بحقوق عبده فطلب العبد بيعه, لم يجبر السيد عليه وقد نص عليه أحمد قال أبو داود: قيل لأبي عبد الله -رحمه الله-: استباعت المملوكة, وهو يكسوها مما يلبس ويطعمها مما يأكل قال لا تباع وإن أكثرت من ذلك, إلا أن تحتاج إلى زوج فتقول: زوجني وقال عطاء وإسحاق, في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع: لا يبعه لأن الملك للسيد والحق له, فلا يجبر على إزالته من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الإنفاق عليها. قال: [وليس عليه نفقة مكاتبه, إلا أن يعجز] لا خلاف في أن المكاتب لا تلزم سيده نفقته لأن الكتابة عقد أوجب ملك المكاتب إكساب نفسه ومنافعه ومنع السيد من التصرف فيهما فلا يملك استخدامه, ولا إجارته ولا إعارته ولا أخذ كسبه, ولا أرش الجناية عليه ولا يلزمه أداء أرش جنايته فسقطت نفقته, عنه كما لو باعه أو أعتقه فإذا عجز, عاد رقيقا قنا وعاد إليه ملك نفعه وأكسابه, فعادت عليه نفقته كما لو اشتراه بعد بيعه. قال: [وليس له أن يسترضع الأمة] لغير ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه أما إذا أراد استرضاع أمته لغير ولدها, مع كونه لا يفضل عنه فليس له ذلك لأن فيه إضرارا بولدها لنقصه من كفايته وصرف اللبن المخلوق لولدها إلى غيره, مع حاجته إليه فلم يجز كما لو أراد أن ينقص الكبير من كفايته ومؤنته فإن كان فيها فضل عن ري ولدها, جاز لأنه ملكه وقد استغنى عنه الولد فكان له استيفاؤه, كالفاضل من كسبها عن مؤنتها أو كما لو مات ولدها وبقي لبنها. قال: [وإذا رهن المملوك, أنفق عليه سيده] وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ونفقته من غرمه) ولأنه ملك للراهن, ونماؤه له فكانت عليه نفقته كغير الرهن وقد ذكرت هذه المسألة في باب الرهن. قال: [وإذا أبق العبد, فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه] إنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده وقد قام الذي جاء به مقام سيده في أداء الواجب عليه فرجع به عليه, كما لو أذن له وقال الشافعي: لا يرجع بشيء لأنه متبرع بإنفاق لم يجب عليه ولنا أنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه فرجع به عليه, كما لو أدى الحاكم عن الممتنع من الإنفاق على امرأته ما يجب عليه من النفقة ويتخرج أن لا يرجع بشيء بناء على الرواية الأخرى في من أنفق على الرهن الذي عنده, أو الوديعة أو الجمال إذا هرب الجمال وتركها مع المستأجر. وله تأديب عبده وأمته إذا أذنبا بالتوبيخ, والضرب الخفيف كما يؤدب ولده وامرأته في النشوز, وليس له ضربه على غير ذنب ولا ضربه ضربا مبرحا وإن أذنب ولا لطمه في وجهه, وقد روي عن ابن مقرن المزني قال: (لقد رأيتني سابع سبعة ليس لنا إلا خادم واحد, فلطمها أحدنا فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإعتاقها فأعتقناها) وروى عن أبي مسعود, قال: (كنت أضرب غلاما لي فإذا رجل من خلفى يقول: اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود فالتفت, فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) ). ومن ملك بهيمة لزمه القيام بها, والإنفاق عليها ما تحتاج إليه من علفها أو إقامة من يرعاها لما روى ابن عمر, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض) متفق عليه فإن امتنع من الإنفاق عليها أجبر على ذلك فإن أبى أو عجز أجبر على بيعها, أو ذبحها إن كانت مما يذبح وقال أبو حنيفة: لا يجبره السلطان بل يأمره كما يأمره بالمعروف, وينهاه عن المنكر لأن البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم ألا ترى أنه لا تصح منها الخصومة ولا ينصب عنها خصم, فصارت كالزرع والشجر ولنا أنها نفقة حيوان واجبة عليه فكان للسلطان إجباره عليها, كنفقة العبيد ويفارق نفقة الشجر والزرع فإنها لا تجب فإن عجز عن الإنفاق, وامتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا طلب البيع عند إعسار سيده بنفقته, وكما يفسخ نكاحه إذا أعسر بنفقة امرأته وإن عطبت البهيمة فلم ينتفع بها فإن كانت مما يؤكل خير بين ذبحها والإنفاق عليها, وإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الإنقاق عليها كالعبد الزمن, على ما ذكرناه فيما مضى ولا يجوز أن يحمل البهيمة ما لا تطيق لأنها في معنى العبد وقد منع النبي -صلى الله عليه وسلم- تكليف العبد ما لا يطيق ولأن فيه تعذيبا للحيوان الذي له حرمة في نفسه وإضرارا به, وذلك غير جائز ولا يحلب من لبنها إلا ما يفضل عن كفاية ولدها لأن كفايته واجبة على مالكه ولبن أمه مخلوق له فأشبه ولد الأمة.
|